في زمنٍ ضاقت فيه الأحلام، وضاقت معه الخرطوم، فتحت مدينة الأبيض ذراعيها، لا لتستقبل وافدين، بل لتحتضن أهلها من العاصمة، الذين دفعتهم نيران الحرب للفرار بأرواحهم، تاركين وراءهم بيوتهم وأحياءهم وذكرياتهم. لم تك الأبيض محطة للمرور المؤقت، بل كانت وطناً بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهناك، في حضن “عروس الرمال”، وجد الوافدون الملاذ رغم ضيق العيش وشدة الأزمات. لم تُثنِها قلة الموارد عن أداء واجبها الإنساني، ولم يمنعها التعب من أن تكون الحضن الدافئ لمن فقد كل شيء. في الأبيض، لم يُعامل الناس الضيوف كغرباء، بل كأبناء. تقاسموا معهم الخبز والماء، السكن والمشاعر، الألم، والأمل. وكان كل نازح يجد في المدينة ملاذًا دافئًا، لا مجرد مأوى. وفي كل مشهد من مشاهد التكافل، تجلت القيم السودانية الأصيلة؛ النخوة، المروءة، والكرم. أبناء الأبيض أعادوا تعريف التضامن، لا بالشعارات، بل بالفعل والموقف. في عيونهم قرأت الخرطوم معنى “السودان ما زال بخير”.واليوم، ومع بشائر العودة التي بدأت ترتسم في أفق العاصمة، تتحرك قوافل الطمأنينة من الأبيض نحو الخرطوم، محملة بحقائب الأمل، وقلوب ممتلئة بذكريات لن تُنسى. وقد كان للأمانة العامة لديوان الزكاة بولاية شمال كردفان بقيادة الأستاذ موسي يوسف دور فاعل في دعم برنامج العودة الطوعية، حضوراً وتنظيماً ومساندة، بما يعكس التزام مؤسسات المجتمع بمرافقة الوافدين حتى آخر محطة من محنتهم. ديوان الزكاة دعم ووقف مع برنامج العودة الطوعية للديار الذي يتبناه الديوان على مستوي السودان في تفويج المواطنين إلى مناطقهم الآمنة وساهم خلال الفترة الماضية في تفويج وثبتين لمحليتي الرهد، وأم روابة وولاية الخرطوم، وفي هذه الوثبة الثالثة سير الديوان 37 بصاً لولاية الخرطوم وجرارين أثنين لأكثر من 1800مواطناً بتكلفة بلغت 150مليون جنيهاً. تحية إجلال وتقدير لإدارة ديوان الزكاة شيكان برئاسة الاستاذ فيصل حسين للإسهام الكبير في برنامج العودة الطوعية بدءاً من الوثبة الأولي وحتى الوثبة الثالثة. دقة ونظاماً وترتيباً حتي خرج البرنامج بالصورة المطلوبة تحية لإدارة النقل، والمواصلات، وطاقمها، وضابط الوحدة عبدالرازق الزبير كان لها القدح المعلى في تسهيل وسائل النقل، واختيارها بالكفاءة العالية لتتواكب مع الوافدين وتوفر لهم الراحة وصولا لديارهم بأمان وبصمة الإبداع للرعاية الاجتماعية بشيكان حاضرة، وهي بمثابة الفرحة التي ظلت تشكل نقطة ضوء في آخر النفق لهؤلاء الوافدين ولكل من قصد شيكان . فاصلة :-بين الوافدون والأبيض تشكلت علاقة وجدانية لا تمحوها المسافات ولا تغيرها الأيام. وبالرغم من بهجة العودة يبقى في القلب حنين. فالأبيض لم تك فقط مدينة عبور، بل كانت حضن الوطن حين ضاق الوطن. وستبقى في ذاكرة من عاشوا محنتهم بين أهلها، منارة للوفاء، وأيقونة للإنسانية.هكذا كانت “عروس الرمال”… وهكذا سيبقى أهلها ومؤسساتها: عنوانًا للنبل في وقت الشدة.اللهم أمنا في أوطاننا سعاد سلامة